رواية المبتدع:
قال الحافظ محمد بن البرقي: قلت ليحيى بن معين: أرأيت من يُرمى بالقدر يُكتب حديثه؟ قال: نعم. قد كان قتادة وهشام الدستوائي وسعيد ابن أبي عروبة وعبد الوارث – وذكر جماعة – يقولون بالقدر، وهم ثقات، يُكتب حديثهم ما لم يَدْعُو إلى شيء.
قال الذهبي: هذه مسألة كبيرة، وهي: القدري والمعتزلي والجهمي والرافضي، إذا علم صدقه في الحديث وتقواه، ولم يكن داعيا إلى بدعته، فالذي عليه أكثر العلماء قبول روايته، والعمل بحديثه. وترددوا في الداعية، هل يُؤخذ عنه؟ فذهب كثير من الحفاظ إلى تجنب حديثه وهجرانه. وقال بعضهم: إذا علمنا صدقه وكان داعية، ووجدنا عنده سنة تفرد بها، فكيف يسوغ لنا ترك تلك السنة؟ فجميع تصرفات أئمة الحديث تؤذن بأن المبتدع إذا لم تبح بدعته خروجه من دائرة الإسلام، ولم تبح دمه، فإن قبول ما رواه سائغ.
وهذه المسألة لم تتبرهن لي كما ينبغي، والذي اتضح لي منها أن من دخل في بدعة، ولم يُعدّ من رؤوسها، ولا أمعن فيها، يُقبل حديثه كما مثّل الحافظ أبو زكريا بأولئك المذكورين، وحديثهم في كتب الإسلام لصدقهم وحفظهم.
(وعلى هذا مشى المصنف وغيره من علماء الجرح والتعديل فقال في ترجمة أبان بن تغلب من الميزان: شيعي جلد، لكنه صدوق. فلنا صدقه وعليه بدعته. وقد وثّقه أحمد ابن حنبل وابن معين وأبو حاتم وأورده ابن عدي – يعني في الكامل – وقال: كان غاليا في التشيع. ثم أورد استشكالا وأجاب عليه. قال: فلقائل أن يقول: كيف ساغ توثيق مبتدع وحدّ الثقة العدالة والإتقان؟ فكيف يكون عدلا من هو صاحب بدعة؟
وجوابه أن البدعة على ضربين: فبدعة صغرى كغلو التشيع أو كالتشيع بلا غلو ولا تحرق، فهذا كثير في التابعين وتابعيهم مع الدين والورع والصدق. فلو رُدّ حديث هؤلاء لذهب جملة من الآثار النبوية، وهذه مفسدة بينة.
ثم بدعة كبرى، كالرفض الكامل والغلو فيه، والحط على أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، والدعاء إلى ذلك. فهذا النوع لا يحتج بهم ولا كرامة.
قال: وأيضا فما أستحضر الآن في هذا الضرب رجلا صادقا ولا مأمونا، بل الكذب شعارهم والتقيّة والنفاق دثارهم. فكيف يُقبل نقل من هذا حاله؟! حاشا وكلا. فالشيعي في زمان السلف وعُرفهم هو من تكلم في عثمان والزبير وطلحة ومعاوية وطائفة ممن حارب عليا رضي الله عنه وتعرض لسبهم. والغالي في زماننا وعرفنا هو الذي يكفر هؤلاء السادة، ويتبرأ من الشيخين أيضا، فهذا ضال معثِّر. ولم يكن أبان يعرض للشيخين أصلا، بل قد يعتقد أن عليا أفضل منهما. ميزان الاعتدال (1/5-6).)
قال الحافظ محمد بن البرقي: قلت ليحيى بن معين: أرأيت من يُرمى بالقدر يُكتب حديثه؟ قال: نعم. قد كان قتادة وهشام الدستوائي وسعيد ابن أبي عروبة وعبد الوارث – وذكر جماعة – يقولون بالقدر، وهم ثقات، يُكتب حديثهم ما لم يَدْعُو إلى شيء.
قال الذهبي: هذه مسألة كبيرة، وهي: القدري والمعتزلي والجهمي والرافضي، إذا علم صدقه في الحديث وتقواه، ولم يكن داعيا إلى بدعته، فالذي عليه أكثر العلماء قبول روايته، والعمل بحديثه. وترددوا في الداعية، هل يُؤخذ عنه؟ فذهب كثير من الحفاظ إلى تجنب حديثه وهجرانه. وقال بعضهم: إذا علمنا صدقه وكان داعية، ووجدنا عنده سنة تفرد بها، فكيف يسوغ لنا ترك تلك السنة؟ فجميع تصرفات أئمة الحديث تؤذن بأن المبتدع إذا لم تبح بدعته خروجه من دائرة الإسلام، ولم تبح دمه، فإن قبول ما رواه سائغ.
وهذه المسألة لم تتبرهن لي كما ينبغي، والذي اتضح لي منها أن من دخل في بدعة، ولم يُعدّ من رؤوسها، ولا أمعن فيها، يُقبل حديثه كما مثّل الحافظ أبو زكريا بأولئك المذكورين، وحديثهم في كتب الإسلام لصدقهم وحفظهم.
(وعلى هذا مشى المصنف وغيره من علماء الجرح والتعديل فقال في ترجمة أبان بن تغلب من الميزان: شيعي جلد، لكنه صدوق. فلنا صدقه وعليه بدعته. وقد وثّقه أحمد ابن حنبل وابن معين وأبو حاتم وأورده ابن عدي – يعني في الكامل – وقال: كان غاليا في التشيع. ثم أورد استشكالا وأجاب عليه. قال: فلقائل أن يقول: كيف ساغ توثيق مبتدع وحدّ الثقة العدالة والإتقان؟ فكيف يكون عدلا من هو صاحب بدعة؟
وجوابه أن البدعة على ضربين: فبدعة صغرى كغلو التشيع أو كالتشيع بلا غلو ولا تحرق، فهذا كثير في التابعين وتابعيهم مع الدين والورع والصدق. فلو رُدّ حديث هؤلاء لذهب جملة من الآثار النبوية، وهذه مفسدة بينة.
ثم بدعة كبرى، كالرفض الكامل والغلو فيه، والحط على أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، والدعاء إلى ذلك. فهذا النوع لا يحتج بهم ولا كرامة.
قال: وأيضا فما أستحضر الآن في هذا الضرب رجلا صادقا ولا مأمونا، بل الكذب شعارهم والتقيّة والنفاق دثارهم. فكيف يُقبل نقل من هذا حاله؟! حاشا وكلا. فالشيعي في زمان السلف وعُرفهم هو من تكلم في عثمان والزبير وطلحة ومعاوية وطائفة ممن حارب عليا رضي الله عنه وتعرض لسبهم. والغالي في زماننا وعرفنا هو الذي يكفر هؤلاء السادة، ويتبرأ من الشيخين أيضا، فهذا ضال معثِّر. ولم يكن أبان يعرض للشيخين أصلا، بل قد يعتقد أن عليا أفضل منهما. ميزان الاعتدال (1/5-6).)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق