الجمعة، 28 أكتوبر 2016

ابتلاء وصبر

عن هشام بن عروة ، أن أباه خرج إلى الوليد بن عبد الملك ، حتى إذا كان بوادي القرى ، وجد في رجله شيئاً ، فظهرت به قرحة ، ثم ترقى به الوجع . وقدم على الوليد وهو في محمل ، فقال : يا أبا عبد الله اقطعها ، قال : دونك . فدعا له الطبيب ، وقال : اشرب المرقد ، فلم يفعل ، فقطعها من نصف الساق ، فما زاد أن يقول : حَسِّ ، حَسِّ . فقال الوليد : ما رأيت شيخاً قط أصبر من هذا . 
وأصيب عروة بابنه محمد في ذلك السفر ، ركضته بغلة في إصطبل ، فلم يُسْمَع منه في ذلك كلمة . فلما كان بوادي القرى قال : لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا اللهم كان لي بنون سبعة ، فأخذت واحدا وأبقيت لي ستة ، وكان لي أطراف أربعة ، فأخذت طرفا وأبقيت ثلاثة ; ولئن ابتليتَ لقد عافيت ، ولئن أخذتَ لقد أبقيت . 

وعن عبد الله بن عروة ، قال : نظر أبي إلى رجله في الطست ، فقال : إن الله يعلم أني ما مشيت بك إلى معصية قط ، وأنا أعلم . 

صبر بلال بن رباح رضي الله عنه

أول من أظهر إسلامه سبعة : رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر، وعمار، وأمه سمية ، وبلال ، وصهيب ، والمقداد . فأما النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر فمنعهما الله بقومهما ، وأما سائرهم فأخذهم المشركون ، فألبسوهم أدراع الحديد ، وصهروهم في الشمس ، فما منهم أحد إلا وأتاهم على ما أرادوا إلا بلال، فإنه هانت عليه نفسه في الله ، وهان على قومه ، فأعطوه الوِلدان ، فجعلوا يطوفون به في شعاب مكة ، وهو يقول : أحدٌ ، أحدٌ.

حسن التعزية


قال التنوخي: حدثنا جعفر بن ورقاء الأمير قال : اجتزت بابن الجصاص -وكان مصاهري- ، فرأيته على حوش داره حافياً حاسراً ، يعدو كالمجنون ، فلما رآني استحيى ، فقلت : ما لك؟ قال : يحق لي ، أخذوا مني أمرا عظيما ، فسلمته وقلت : ما بقي يكفي ; وإنما يَقلقُ هذا القلقَ من يخاف الحاجة ، فاصبر حتى أبين لك غِناك . قال : هات . قلت : أليس دارك هذه بآلتها وفرشها لك؟ وعقارك بالكرخ وضياعك؟ قال : بلى . 
فما زلت أحاسبه حتى بلغ قيمة سبعمائة ألف دينار ، ثم قلت : واصدقني عما سلم لك ، فحسبناه ، فإذا هو بثلاثمائة ألف دينار ، قلت : فمن له ألف ألف دينار ببغداد؟ ! هذا وجاهك قائم ، فَلِمَ تغتم؟ فسجد لله وحمده ، وبكى ، وقال : أنقَذَني اللهُ بِك ، ما عزّاني أحدٌ بأنفع من تعزيتك. ما أكلت شيئا منذ ثلاث ، فأقم عندي لنأكل ونتحدث. فأقمت عنده يومين . 

فضل أحمد بن حنبل


وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل : حدثني ثابت بن أحمد بن شبوية قال : كان يخيل إليّ أن لأبي فضيلة على أحمد بن حنبل لجهاده ، وفكاك الأسرى ، فسألت أخي عبد الله ، فقال : أحمد بن حنبل أرجح ، فلم أقنع ، فأُريت شيخاً حوله الناس يسألونه ، ويسمعون منه ، فسألته عنهما ، فقال : سبحان الله !! إن أحمد بن حنبل ابتلي فصبر ، وإن ابن شبوية عوفي ، المبتلى الصابر كالمعافى ؟! هيهات. 

شعر لابن حزم في صحيحي البخاري ومسلم

ولإبن حزم:

أنائم أنت عن كتب الحديث وما...
     أتى عن المصطفى فيها من الدين 


كمسلم والبخاري اللذين هما...
     شدا عرى الدين في نقل وتبيين 


أولى بأجر وتعظيم ومحمدة...
     من كل قول أتى من رأي سحنون 


يا من هدى بهما اجعلني كمثلهما...
     في نصر دينك محضا غير مفتون

شعر لابن حزم في العلم


الإمام ابن حزم:

شعره فحل ، وكان ينظم على البديه ، ومن شعره :
 
أنا الشمس في جو العلوم منيرة...
     ولكن عيبي أن مطلعي الغرب 

ولو أنني من جانب الشرق طالع...
     لجد على ما ضاع من ذكري النهب 

ولي نحو أكناف العراق صبابة...
     ولا غرو أن يستوحش الكلف الصب 

فإن ينزل الرحمن رحلي بينهم...
     فحينئذ يبدو التأسف والكرب 

هنالك يدرى أن للبعد قصة...
     وأن كساد العلم آفته القرب 

شعر لابن حزم

قال ابن حزم:

مُنايَ من الدنيا علوم أبثها...
         وأنشرها في كل باد وحاضر 


دعاء إلى القرآن والسنن التي...
         تناسى رجال ذكرها في المحاضر 


وألزم أطراف الثغور مجاهدا...
          إذا هيعة ثارت فأول نافر 


لألقى حمامي مقبلا غير مدبر..
          بسمر العوالي والرقاق البواتر 


كفاحا مع الكفار في حومة الوغى...
         وأكرم موت للفتى قتل كافر 


فيا رب لا تجعل حمامي بغيرها... 
        ولا تجعلني من قطين المقابر 

شعر مؤثر لابن المبارك

قال حبان بن موسى : سمعت ابن المبارك ينشد : 

كيف القرار وكيف يهدأ مسلم...
          والمسلمات مع العدو المعتدي

الضاربات خدودهن برنة...
          الداعيات نبيهن محمد 

القائلات إذا خشين فضيحة...
          جهد المقالة ليتنا لم نولد 

ما تستطيع ومالها من حيلة...
          إلا التستر من أخيها باليد

فكيف قرت لأهل العلم أعينهم

قال ابن سهم الأنطاكي : سمعت ابن المبارك ينشد : 

فكيف قرّت لأهل العلم أعينهم...     
       أو استلذوا لذيذ النوم أو هجعوا 

والنار ضاحية لا بد موردها...     
       وليس يدرون من ينجو ومن يقع 

وطارت الصحف في الأيدي منشرة...     
                فيها السرائر والجبار مطلع 

إما نعيم وعيش لا انقضاء له...     
       أو الجحيم فلا تبقي ولا تدع 

تهوي بساكنها طورا وترفعه...     
       إذا رجوا مخرجا من غمها قمعوا 

لينفع العلم قبل الموت عالمه...     
       قد سال قوم بها الرجعى فما رجعوا

شعر لابن المبارك في ابن علية

قال أحمد بن جميل المروزي : قيل لابن المبارك : إن إسماعيل ابن علية ، قد ولي القضاء ، فكتب إليه :

يا جاعل العلم له بازياً...
           يصطاد أموال المساكين 

احتلت للدنيا ولذاتها
...
           بحيلة تذهب بالدين 


فصرت مجنونا بها بعدما...     
           كنت دواء للمجانين 


أين رواياتك في سردها ؟...     
           عن ابن عون وابن سيرين 


أين رواياتك فيما مضى ؟...     
           في ترك أبواب السلاطين 


إن قلت أكرهت فما ذا كذا...     
           زل حمار العلم في الطين 

الاثنين، 24 أكتوبر 2016

طغان خان

طغان خان التركي:

صاحب تركستان ، وبلاساغون وكاشغر وختن وفاراب قصدته جيوش الصين والخطا في جمع ما سمع بمثله حتى قيل كانوا ثلاثمائة ألف . وكان مريضا فقال : اللهم عافني لأغزوهم ، ثم توفني إن شئت . فعوفي ، وجمع عساكره ، وساق ، فبيتهم ، وقتل منهم نحو مائتي ألف ، وأسر مائة ألف ، وكانت ملحمة مشهودة في سنة ثمان وأربعمائة ، ورجع بغنائم لا تحصى إلى بلاساغون ، فتوفاه الله عقيب وصوله . 

وكان ديّناً عادلاً ، بطلا شجاعا 

أطول الخلفاء عمرا ً


وفي ذي الحجة من سنة اثنتين وعشرين وأربعمائة ، مات القادر بالله في أول أيام التشريق ، وصلى عليه ابنه القائم بأمر الله ، وكبر عليه أربعا ودفن في الدار ، ثم بعد عشرة أشهر نقل تابوته إلى الرصافة ، وعاش سبعا وثمانين سنة سوى شهر وثمانية أيام وما علمت أحدا من خلفاء هذه الأمة بلغ هذا السن ، حتى ولا عثمان -رضي الله عنه . 

استشهاد النعمان بن مقرن


عن معقل بن يسار أن عمر شاور الهرمزان في أصبهان وفارس وأذربيجان فقال : أصبهان الرأس ، وفارس وأذربيجان الجناحان ، فإذا قطعت جناحاً فاء الرأسُ وجناحٌ، وإن قطعت الرأسَ وقع الجناحان . 

فقال عمر للنعمان بن مقرِّن : إني مستعملك . فقال : أما جابياً فلا ، وأما غازياً فنعم . قال : فإنك غازٍ . فسرحه ، وبعث إلى أهل الكوفة ليمدوه وفيهم حذيفة ، والزبير ، والمغيرة ، والأشعث ، وعمرو بن معدي كرب . فذكر الحديث بطوله . وهو في " مستدرك الحاكم " وفيه : فقال : اللهم ارزق النعمان الشهادة بنصر المسلمين ، وافتح عليهم . فأمنوا ، وهز لواءه ثلاثا . ثم حمل ، فكان أول صريع - رضي الله عنه . 

ووقع ذو الحاجبين من بغلته الشهباء ، فانشق بطنه ، وفتح الله ، ثم أتيت النعمان وبه رمق ، فأتيته بماء ، فصببت على وجهه أغسل التراب ، فقال : من ذا ؟ قلت : معقل . قال : ما فعل الناس ؟ قلت : فتح الله . فقال : الحمد لله . اكتبوا إلى عمر بذلك ، وفاضت نفسه - رضي الله عنه .

شجاعة أم حكيم رضي الله عنها

وقعة مرج الصفر 

قال خليفة : كانت لاثنتي عشرة بقيت من جمادى الأولى ، والأمير خالد بن الوليد . قال ابن إسحاق : وعلى المشركين يومئذ قلقط ، وقتل من المشركين مقتلة عظيمة وانهزموا .  

وقال سعيد بن عبد العزيز : التقوا على النهر عند الطاحونة ، فقتلت الروم يومئذ حتى جرى النهر وطحنت طاحونتها بدمائهم فأنزل النصر ، وقتلت يومئذ أم حكيم سبعة من الروم بعمود فسطاطها.

أوطاس


عن أبي موسى قال : لما فرغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم- من حنين ، بعث أبا عامر الأشعري على جيش أوطاس ، فلقي دريد بن الصمة ، فَقُتِلَ دريد ، وهزم الله أصحابه ; فرمى رجل أبا عامر في ركبته بسهم ، فأثبته . فقلت : يا عم ، من رماك ؟ فأشار إليه . فقصدت له ، فلحقته ، فلما رآني ، ولى ذاهبا . فجعلت أقول له : ألا تستحي ؟ ألست عربيا ؟ ألا تثبت ؟ قال : فكف ، فالتقيت أنا وهو ، فاختلفنا ضربتين ، فقتلته . ثم رجعت إلى أبي عامر ، فقلت : قد قتل الله صاحبك . قال : فانزع هذا السهم . فنزعته ، فنزا منه الماء . فقال : يابن أخي ، انطلق إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فأقره مني السلام ، وقل له : يستغفر لي . واستخلفني أبو عامر على الناس ، فمكث يسيرا ، ثم مات . فلما قدمنا ، وأخبرت النبي - صلى الله عليه وسلم- توضأ ، ثم رفع يديه ، ثم قال " اللهم اغفر لعبيد أبي عامر " ، حتى رأيت بياض إبطيه . ثم قال : اللهم اجعله يوم القيامة فوق كثير من خلقك " فقلت : ولي يا رسول الله ؟ فقال : اللهم اغفر لعبد الله بن قيس ذنبه ، وأدخله يوم القيامة مدخلا كريما 

كلامه عليهم أشد من وقع النبل

 عن أنس قال : دخل النبي - صلى الله عليه وسلم - مكة في عمرة القضاء ، وابن رواحة بين يديه يقول : 

خلوا بني الكفار عن سبيله
            اليوم نضربكم على تنزيله 
ضربا يزيل الهام عن مقيله
            ويذهل الخليل عن خليله 

فقال عمر : يا ابن رواحة ، في حرم الله وبين يدي رسول الله تقول الشعر ؟ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " خل يا عمر ; فهو أسرع فيهم من نضح النبل " وفي لفظ : " فوالذي نفسي بيده ، لكلامه عليهم أشد من وقع النبل " 

سعد بن معاذ وبني قريظة


عن جابر ، قال : رمي سعد يوم الأحزاب ، فقطعوا أكحله ، فحسمه النبي - صلى الله عليه وسلم - بالنار ، فانتفخت يده فتركه ، فنزفه الدم ، فحسمه  أخرى ، فانتفخت يده ، فلما رأى ذلك قال : اللهم لا تخرج نفسي حتى تقر عيني من بني قريظة . فاستمسك عرقه ، فما قطرت منه قطرة حتى نزلوا على حكم سعد ، فأرسل إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فحكم أن يقتل رجالهم ، وتسبى نساؤهم وذراريهم ، قال : وكانوا أربع مائة ، فلما فرغ من قتلهم انفتق عرقه 

الجمعة، 14 أكتوبر 2016

خبيب بن عدي

خبيب بن عدي 

ذكره ابن سعد فقال : شهد أحدا ، وكان فيمن بعثه النبي - صلى الله عليه وسلم - مع بني لحيان ، فلما صاروا بالرجيع ، غدروا بهم ، واستصرخوا عليهم ، وقتلوا فيهم ، وأسروا خبيبا ، وزيد بن الدثنة ، فباعوهما بمكة ، فقتلوهما بمن قتل النبي - صلى الله عليه وسلم - من قومهم ، وصلبوهما بالتنعيم . 

قال مسلمة بن جندب : عن الحارث بن البرصاء قال : أتي بخبيب ، فبيع بمكة ، فخرجوا به إلى الحل ليقتلوه ، فقال : دعوني أصلي ركعتين . ثم قال : لولا أن تظنوا أن ذلك جزع لزدت ، اللهم أحصهم عددا . قال الحارث : وأنا حاضر ، فوالله ما كنت أظن أن سيبقى منا أحد . 

ابن إسحاق : عن عاصم بن عمر قال : لما كان من غدر عضل والقارة بخبيب وأصحابه بالرجيع ، قدموا به وبزيد بن الدثنة . فأما خبيب ، فابتاعه حجير بن أبي إهاب لعقبة بن الحارث بن عامر ، وكان أخا حجير لأمه ، ليقتله بأبيه . فلما خرجوا به ليقتلوه ، وقد نصبوا خشبته ليصلبوه ، فانتهى إلى التنعيم ، فقال : إن رأيتم أن تدعوني أركع ركعتين . فقالوا : دونك . فصلى ، ثم قال : والله لولا أن تظنوا إنما طولت جزعا من القتل ، لاستكثرت من الصلاة . فكان أول من سن الصلاة عند القتل . 

ثم رفعوه على خشبته ، فقال : اللهم أحصهم عددا ، واقتلهم بددا ، ولا تغادر منهم أحدا ، اللهم إنا قد بلغنا رسالة رسولك ، فبلغه الغداة ما أتى إلينا . 

قال : وقال معاوية : كنت فيمن حضره ، فلقد رأيت أبا سفيان يلقيني إلى الأرض ، فرقا من دعوة خبيب . وكانوا يقولون إن الرجل إذا دعي عليه فاضطجع ، زلت عنه الدعوة . 

الأحد، 9 أكتوبر 2016

شهادة في سبيل الله


قال الحميدي حدثنا علي بن أحمد الحافظ أخبرني أبو الوليد بن الفرضي قال : تعلقت بأستار الكعبة ، وسألت الله تعالى الشهادة ، ثم فكرت في هول القتل ، فندمت ، وهممت أن أرجع ، فأستقيل الله ذلك ، فاستحييت . قال الحافظ علي : فأخبرني من رآه بين القتلى ، ودنا منه ، فسمعه يقول بصوت ضعيف : (لا يكلم أحد في سبيل الله -والله أعلم بمن يكلم في سبيله- إلا جاء يوم القيامة وجرحه يثعب دما ، اللون لون الدم ، والريح ريح المسككأنه يعيد على نفسه الحديث ، ثم قضى على إثر ذلك رحمه الله . 

جهاد عبد الله بن المبارك


قال أبو حاتم الرازي : حدثنا عبدة بن سليمان المروزي قال : كنا سرية مع ابن المبارك في بلاد الروم ، فصادفنا العدو ، فلما التقى الصفان ، خرج رجل من العدو ، فدعا إلى البِراز ، فخرج إليه رجل فقتله ، ثم آخر فقتله ، ثم آخر فقتله ، ثم دعا إلى البِراز ، فخرج إليه رجل ، فطارده ساعة فطعنه فقتله ، فازدحم إليه الناس ، فنظرت فإذا هو عبد الله بن المبارك ، وإذا هو يكتم وجهه بكمه ، فأخذت بطرف كمه فمددته ، فإذا هو هو . فقال : وأنت يا أبا عمرو ممن يشنع علينا !! 

صلاح الدين الأيوبي


قال الموفق عبد اللطيف : أتيت ، وصلاح الدين بالقدس ، فرأيت ملكا يملأ العيون روعة ، والقلوب محبة ، قريبا بعيدا ، سهلا محببا ، وأصحابه يتشبهون به ، يتسابقون إلى المعروف كما قال تعالى : ((ونزعنا ما في صدورهم من غل إخوانا)) وأول ليلة حضرته وجدت مجلسه حفلا بأهل العلم يتذاكرون ، وهو يحسن الاستماع والمشاركة ، ويأخذ في كيفية بناء الأسوار ، وحفر الخنادق ، ويأتي بكل معنى بديع ، وكان مهتما في بناء سور بيت المقدس وحفر خندقه ، ويتولى ذلك بنفسه ، وينقل الحجارة على عاتقه ، ويتأسى به الخلق حتى القاضي الفاضل ، والعماد إلى وقت الظهر ، فيمد السماط ، ويستريح ، ويركب العصر ، ثم يرجع في ضوء المشاعل ، قال له صانع : هذه الحجارة التي تقطع من أسفل الخندق رخوة ، قال : كذا تكون الحجارة التي تلي القرار والنداوة ، فإذا ضربتها الشمس ، صلبت . وكان يحفظ " الحماسة " ، ويظن أن كل فقيه يحفظها ، فإذا أنشد ، وتوقف ، استطعم فلا يطعم ، وجرى له ذلك مع القاضي الفاضل ، لم يكن يحفظها ، وخرج ، فما زال حتى حفظها. 

حُمَّ صلاح الدين ، ففصده* من لا خبرة له ، فخارت القوة ، ومات ، فوجد الناس عليه شبيها بما يجدونه على الأنبياء ، وما رأيت ملكا حزن الناس لموته سواه ، لأنه كان محببا ، يحبه البر والفاجر ، والمسلم والكافر ، ثم تفرق أولاده وأصحابه أيادي سبأ ، وتمزقوا.


الفصد في اللغة هو شق العِرق، والمقصود به هو اخراج دم من أحد أجزاء الجسم عن طريق احداث شق في وريد رئيسي من الجسم.

أحمد بن حنبل والمعتصم


قال أحمد بن سنان : بلغني أن أحمد بن حنبل ، جعل المعتصم في حِلٍّ يوم فتح عاصمة (بابك) وظفر به ، أو في فتح عمورية ، فقال : هو في حِلٍّ من ضربي .

وسمعت أبي أبا حاتم يقول : أتيت أبا عبد الله بعدما ضرب بثلاث سنين أو نحوها ، فجرى ذكر الضرب ، فقلت له : ذهب عنك ألم الضرب ؟ فأخرج يديه وقبض كوعيه اليمين واليسار ، وقال : هذا ، كأنه يقول : خلع وإنه يجد منهما ألم ذلك . 

محمد بن واسع


قال الأصمعي : لما صاف قتيبة بن مسلم للترك ، وهاله أمرهم ، سأل عن محمد بن واسع . فقيل : هو ذاك في الميمنة جامح على قوسه ، يبصبص بأصبعه نحو السماء . قال : تلك الأصبع أحب إلي من مائة ألف سيف شهير وشاب طرير .

موسى بن نصير


وقال سليمان بن عبد الملك لموسى بن نصير  : ما كنت تفزع إليه عند الحرب ؟ قال : الدعاء والصبر . قال : فأي الخيل رأيت أصبر ؟ قال : الشقر . قال : فأي الأمم أشد قتالا ؟ قال : هم أكثر من أن أصف . قال : فأخبرني عن الروم . قال : أسد في حصونهم ، عقبان على خيولهم ، نساء في مراكبهم ، إن رأوا فرصة انتهزوها ، وإن رأوا غلبة فأوعال تذهب في الجبال ، لا يرون الهزيمة عارا . قال : فالبربر ؟ قال : هم أشبه العجم بالعرب لقاء ونجدة وصبرا وفروسية ; غير أنهم أغدر الناس . قال : فأهل الأندلس ؟ قال : ملوك مترفون ، وفرسان لا يجبنون . قال : فالفرنج ؟ قال : هناك العدد والجلد ، والشدة والبأس . قال : فكيف كانت الحرب بينك وبينهم ؟ قال : أما هذا فوالله ما هزمت لي راية قط ، ولا بدد لي جمع ، ولا نكب المسلمون معي منذ اقتحمت الأربعين إلى أن بلغت الثمانين. 

من رأى عبد الله بن المبارك في النوم بعد وفاته


قال محمد بن الفضيل بن عياض : رأيت ابن المبارك في النوم فقلت : أي العمل أفضل ؟ قال : الأمر الذي كنت فيه ، قلت : الرباط والجهاد ؟ قال : نعم ، قلت : فما صنع بك ربك ؟ قال : غفر لي مغفرة ما بعدها مغفرة . 


وقال إسماعيل بن إبراهيم المصيصي : رأيت الحارث بن عطية في النوم ، فسألته ، فقال : غفر لي . قلت : فابن المبارك ، قال : بخٍ بخ، ذاك في عليين ممن يلجُ على الله كل يوم مرتين . 


وعن نوفل قال : رأيت ابن المبارك في النوم فقلت : ما فعل الله بك ؟ قال : غفر لي برحلتي في الحديث ، عليك بالقرآن ، عليك بالقرآن . 

قال علي بن أحمد السواق : حدثنا زكريا بن عدي قال : رأيت ابن المبارك في النوم ، فقلت : ما فعل الله بك ؟ قال : غفر لي برحلتي . 

الذب عن السنة أفضل من الجهاد


وقال نصر بن زكريا سمعت محمد بن يحيى الذهلي : سمعت يحيى بن معين يقول : الذب عن السنة أفضل من الجهاد في سبيل الله . فقلت ليحيى : الرجل ينفق ماله ، ويتعب نفسه ، ويجاهد ، فهذا أفضل منه !؟ قال : نعم ، بكثير .

خالد بن الوليد

قال قيس بن أبي حازم : سمعت خالدا - بن الوليد - يقول : منعني الجهاد كثيرا من  القراءة. ورأيته أُتي بِسُمٍّ ، فقالوا : ما هذا ؟ قالوا : سُم . قال : باسم الله . وشربه .
قال الامام الذهبي : هذه والله الكرامة ، وهذه الشجاعة .

أنا أخشى من همة أبي عمرو

ومن محاسن الإمام ابن نجيد أن شيخه الزاهد أبا عثمان الحيري طلب في مجلسه مالاً لبعض الثغور ، فتأخر ، فتألم وبكى على رءوس الناس ، فجاءه ابن نجيد بألفي درهم ، فدعا له ، ثم إنه نَوَّهَ*  به ، وقال : قد رجوتُ لأبي عمرو بما فعل ، فإنه قد ناب عن الجماعة ، وحمل كذا وكذا ، فقام ابن نجيد ، وقال : لكن إنما حملتُ من مال أمي وهي كارهة ، فينبغي أن ترده لترضى . فأمر أبو عثمان بالكيس فرد إليه ، فلما جن الليل جاء بالكيس ، والتمس من الشيخ سِتْرَ ذلك ، فبكى ، وكان بعد ذلك يقول : أنا أخشى من همة أبي عمرو.

أي أنه أخبر الناس بما تصدق من مال.

الجمعة، 7 أكتوبر 2016

عالم لا تأخذه في الله لومة لائم


قال ابن عفيف : من أخبار منذر بن سعيد البلوطي المحفوظة : أن أمير المؤمنين عمل في بعض سطوح الزهراء قبة بالذهب والفضة ، وجلس فيها ، ودخل الأعيان ، فجاء منذر بن سعيد ، فقال له الخليفة كما قال لمن قبله : هل رأيت أو سمعت أن أحدا من الخلفاء قبلي فعل مثل هذا ؟ فأقبلت دموع القاضي تتحدر ، ثم قال : والله ما ظننت يا أمير المؤمنين أن الشيطان يبلغ منك هذا المبلغ ، أن أنزلك منازل الكفار. قال : لم ؟ فقال : قال الله عز وجل : ((ولولا أن يكون الناس أمة واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضة)) إلى قوله : ((والآخرة عند ربك للمتقين)) فنكس الناصر رأسه طويلا ، ثم قال : جزاك الله عنا خيرا وعن المسلمين ، الذي قلتَ هو الحق. وأمر بنقض سقف القبة . 

الصدع بالحق عظيم


قال الإمام الذهبي:

الصدع بالحق عظيم ، يحتاج إلى قوة وإخلاص ، فالمخلص بلا قوة يعجز عن القيام به ، والقوي بلا إخلاص يخذل ، فمن قام بهما كاملا ، فهو صدّيق . ومن ضعف ، فلا أقل من التألم والإنكار بالقلب . ليس وراء ذلك إيمان ، فلا قوة إلا بالله . 

لا يؤاخذ عامة بخاصة


سمع عمرو بن قيس ٍ يزيدَ بن معاوية يقول على المنبر : إن الله لا يؤاخذ عامة بخاصة إلا أن يظهر منكر فلا يُغَيَّر ، فيؤاخذَ الكُلَّ. 

لمن طلبتم العلم ؟


قال الوليد بن مسلم : سألت الأوزاعي ، وسعيد بن عبد العزيز ، وابن جريج : لمن طلبتم العلم ؟ كلهم يقول : لنفسي . غير أن ابن جريج فإنه قال : طلبته للناس . 



قال الذهبي : ما أحسن الصدق ! واليوم تسأل الفقيه الغبي : لمن طلبت العلم ؟ فيبادر ويقول : طلبته لله ، ويكذب إنما طلبه للدنيا ، ويا قلة ما عرف منه . 

وأي دين لو كان له رجال!


قال إبراهيم بن أدهم : وأي دين لو كان له رجال! من طلب العلم لله ، كان الخمول أحب إليه من التطاول ، والله ما الحياة بثقة ، فيرجى نومها ، ولا المنية بعذر ، فيؤمن عذرها ، ففيم التفريط والتقصير والاتكال والإبطاء ؟ قد رضينا من أعمالنا بالمعاني ، ومن طلب التوبة بالتواني ، ومن العيش الباقي بالعيش الفاني . 

انتهى الحديث إلى أربعة


وقال الإمام أبو عبيد : انتهى الحديث إلى أربعة : فأبو بكر بن أبي شيبة أسردهم له ، وأحمد بن حنبل أفقههم فيه ، ويحيى بن معين أجمعهم له ، وعلي ابن المديني أعلمهم به . 

صف لنا التقوى


قيل لطلق بن حبيب : صف لنا التقوى . فقال : العمل بطاعة الله ، على نور من الله ، رجاء ثواب الله ، وترك معاصي الله ، على نور من الله ، مخافة عذاب الله . 

قال الذهبي : أبدع وأوجز ، فلا تقوى إلا بعمل ، ولا عمل إلا بترو من العلم والاتباع . ولا ينفع ذلك إلا بالإخلاص لله ، لا ليقال : فلان تارك للمعاصي بنور الفقه ، إذ المعاصي يفتقر اجتنابها إلى معرفتها ، ويكون الترك خوفا من الله ، لا ليمدح بتركها ، فمن داوم على هذه الوصية فقد فاز . 

ليتني لم أكن علمت من ذا العلم شيئا .


قال مالك بن مغول : سمعت الشعبي يقول : ليتني لم أكن علمت من ذا العلم شيئا . 

قال الذهبي : لأنه حجة على العالم ، فينبغي أن يعمل به ، وينبه الجاهل ، فيأمره وينهاه ; ولأنه مظنة أن لا يخلص فيه ، وأن يفتخر به ويماري به ، لينال رئاسة ودنيا فانية . 

الخميس، 6 أكتوبر 2016

حسن خاتمة أبي زرعة الرازي


قال أبو جعفر محمد بن علي ، وراق أبي زرعة : حضرنا أبا زرعة بماشهران* ، وهو في السَّوق** ، وعنده أبو حاتم ، وابن وارة ، والمنذر بن شاذان ، ، وغيرهم ، فذكروا حديث التلقين : (لقنوا موتاكم : لا إله إلا الله) واستحيوا من أبي زرعة أن يلقنوه ، فقالوا : تعالوا نذكر الحديث . فقال ابن وارة : حدثنا أبو عاصم ، حدثنا عبد الحميد بن جعفر ، عن صالح ، وجعل يقول : ابن أبي ، ولم يجاوزه . وقال أبو حاتم : حدثنا بندار ، حدثنا أبو عاصم ، عن عبد الحميد بن جعفر عن صالح ، ولم يجاوز ، والباقون سكتوا ، فقال أبو زرعة وهو في السَّوق : حدثنا بندار ، حدثنا أبو عاصم ، حدثنا عبد الحميد ، عن صالح بن أبي عريب ، عن كثير بن مرة ، عن معاذ بن جبل ، قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- :( من كان آخر كلامه : لا إله إلا الله ، دخل الجنة) وتوفي ، رحمه الله . 


* ماشهران: قرية تقع جنوب إيران.
** السَّوق: الإحتضار.

الأعمش


عن محمد بن عبيد قال : جاء رجل نبيل كبير اللحية إلى الأعمش ، فسأله عن مسألة خفيفة في الصلاة ، فالتفت إلينا الأعمش ، فقال : انظروا إليه! لحيته تحتمل حفظ أربعة آلاف حديث ، ومسألته مسألة صبيان الكتاب. 


الثلاثاء، 4 أكتوبر 2016

إني لآمركم بالأمر وما أفعله


وقال أبو وائل ، عن أبي الدرداء : إني لآمركم بالأمر وما أفعله ، ولكن لعل الله يأجرني فيه . 

(أو صديقكم)


عن قتادة ، قال : دخلنا على الحسن وهو نائم ، وعند رأسه سلة ، فجذبناها فإذا خبز وفاكهة ، فجعلنا نأكل ، فانتبه فرآنا ، فسره ، فتبسم وهو يقرأ : (أو صديقكم) لا جناح عليكم . 

إني أكره أن أرى في وجهك ذل السؤال


وعن مطرف أنه قال لبعض إخوانه : يا أبا فلان إذا كانت لك حاجة فلا تكلمني واكتبها في رقعة ; فإني أكره أن أرى في وجهك ذل السؤال . 

بشارة الصديق


عن مالك بن مغول ، حدثنا ابن بريدة ، عن أبيه ، قال : جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المسجد ، وأنا على باب المسجد ، فأخذ بيدي ، فأدخلني المسجد ، فإذا رجل يصلي يدعو ، يقول : اللهم ، إني أسألك ، بأني أشهد أنك الله ، لا إله إلا أنت الأحد الصمد ، الذي لم يلد ، ولم يولد ، ولم يكن له كفوا أحد.

قال : " والذي نفسي بيده لقد سأل الله باسمه الأعظم ، الذي إذا سئل به أعطى ، وإذا دعي به أجاب " ، وإذا رجل يقرأ ، فقال : " لقد أعطي هذا مزمارا من مزامير آل داود " ، قلت : يا رسول الله ، أخبره ؟ قال : " نعم " ، فأخبرته ، فقال لي : لا تزال لي صديقا ، وإذا هو أبو موسى.

فائدة الاجتماع الدعاء


وقال أبو ميسرة لرجل : يا أخي ، فائدة الاجتماع الدعاء ، فادع لي إذا ذكرتني ، وأدعو لك إذا ذكرتك ، فنكون كأنا التقينا وإن لم نلتق.

يدعو لكل أصحابه


عكرمة بن عمار ، عن أبي قدامة محمد بن عبيد ، عن أم الدرداء ، قالت : كان لأبي الدرداء ستون وثلاثمائة خليل في الله . يدعو لهم في الصلاة ، فقلت له في ذلك ، فقال : إنه ليس رجل يدعو لأخيه في الغيب إلا وكل الله به ملكين يقولان : ولك بمثل . أفلا أرغب أن تدعو لي الملائكة .

ألا يستقيم أن نكون إخوانا وإن لم نتفق


قال يونس الصدفي : ما رأيت أعقل من الشافعي ، ناظرته يوما في مسألة ، ثم افترقنا ، ولقيني ، فأخذ بيدي ، ثم قال : يا أبا موسى ، ألا يستقيم أن نكون إخوانا وإن لم نتفق في مسألة. 

قال الذهبي : هذا يدل على كمال عقل هذا الإمام ، وفقه نفسه ، فما زال النظراء يختلفون . 

إني والله أحبك


حدثنا أحمد بن عمران ، حدثنا ابن فضيل ، حدثنا أبي قال : أتيت أبا إسحاق بعدما كف بصره ، قال : قلت : تعرفني ؟ قال : فضيل ؟ قلت : نعم قال : إني والله أحبك ، ولولا الحياء منك لقبلتك فضمني إلى صدره ، ثم قال : حدثني أبو الأحوص عن عبد الله (لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم) نزلت في المتحابين .