أحمد بن حنبل:
هو الإمام حقًا وشيخ الإسلام صدقًا
أبو عبد الله، أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال الشيباني، المروزي ثم البغدادي، أحد
الأئمة الأعلام (11/177).
عن ابن المديني قال: أعز الله
الدين بالصديق يوم الردة، وبأحمد يوم المحنة.
قال سليمان الشاذكوني: لقد حضرت من
ورعه شيئًا بمكة، أنه أرهن سطلاً عند فاميِّ، فأخذ منه شيئًا ليقوته. فجاء، فأعطاه
فكاكه، فأخرج إليه سطلين، فقال: انظر أيهما سطلك؟
فقال: لا أدري أنت في حل منه، وما
أعطيتك ولم يأخذه.
قال الفامي: والله إنه لسطله، وإنما
أردت أن أمتحنه فيه.
قال أحمد: ما كتبت حديثًا إلا وقد
عملت به، حتى مر بي أن النبي r
احتجم وأعطى أبا طيبة دينارًا فأعطيت الحجام دينارًا حين احتجمت.
قال الإمام الذهبي رحمه الله: كان
الناس أمة واحدة، ودينهم قائمًا في خلافة أبي بكر وعمر، فلما اُستشهد قُفْلُ باب
الفتنة عمر رضي الله عنه، وانكسر الباب قام رؤوس الشر على الشهيد عثمان رضي الله
عنه حتى ذبح صبرًا وتفرقت الكلمة وتمت وقعة الجمل ثم وقعت صفين، فظهرت الخوارج
وكفرت سادة الصحابة ثم ظهرت الروافض والنواصب.
وفي آخر زمن الصحابة ظهرت القدرية،
ثم ظهرت المعتزلة بالبصرة، والجهمية والمجسمة بخراسان في أثناء عصر التابعين مع
ظهور السنة وأهلها إلى بعد المائتين، فظهر المأمون الخليفة وكان ذكيًا متكلمًا له
نظر في المعقول فاستجلب كتب الأوائل وعرَّب حكمة اليونان، وقام في ذلك وقعد، وخبَّ
ووضع ورفعت الجهمية والمعتزلة رؤوسها بل والشيعة فإنه كان كذلك.
وآل به الحال إلى أن حمل الأمة على
القول بخلق القرآن، وامتحن العلماء فلم يُمْهَل وهلك لعامه، وخلي بعده شرًا وبلاء
في الدين فإن الأمة ما زالت على أن القرآن العظيم كلام الله تعالى ووحيه وتنزيله
لا يعرفون غير ذلك حتى نبغ لهم القول بإنه كلام الله تعالى مخلوق مجعول، وإنه إنما
يضاف إلى الله تعالى إضافة تشريف، كبيت الله، وناقة الله، فأنكر ذلك العلماء، ولم
تكن الجهمية يظهرون في دولة المهدي والرشيد والأمين فلما ولي المأمون كان منهم،
وأظهر المقالة (11/236).
قلت: ثم أن المأمون نظر في الكلام،
وناظر وبقي متوقفًا في الدعاء إلى بدعته قال أبو الفرج بن الجوزي: خالطه قوم من
المعتزلة، فحسنوا له القول بخلق القرآن وكان يتردد ويراقب بقايا الشيوخ ثم قوي
عزمه وامتحن الناس.
قال محمد بن إبراهيم البوشنجي:
جعلوا يُذاكرون أبا عبد الله بالرقة في التقية و ما روي فيها. فقال: كيف تصنعون
بحديث خباب: «إن من كان قبلكم كان ينشر أحدهم بالمنشار، لا يصده ذلك عن دينه»
فأيسنا منه.
وقال: لستُ أبالي بالحبس، ما هو
ومنزلي إلا واحد، ولا قتلاً بالسيف.
وإنما أخاف فتنة السوط، فسمعه بعض
أهل الحبس، فقال: لا عليك يا أبا عبد الله فما هو إلا سوطان، ثم لا تدري أين يقع
الباقي، فكأنه سرى عنه.